الإسلام والتراتبية|أعل ولد عثمان

من مسلمات الشرع و صميم مبادئ الدين أنه يساوي بين الناس جميعهم فلا يعطي الأفضلية للمرء على غيره إلا على أساس خدمته و بلائه و إيمانه بقيم دينه و تطبيقه لأوامر ربه, كان ذلك صريحا جليا و القرآن يتنزل في مجتمع تترسخ فيه الطبقية و يتباها سادته بالأنساب٫ و رغم ذلك لم يهادن الإسلام في موقفه من التراتبية رغم أن الزمان يقتضي المسايرة و المكان يحتم الاحتراز {يايها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.
ظل الإسلام يحارب الظاهرة و يقاوم الفوارق و يربي المجتمع المسلم على المحبة و التوحد لا التفرقة و التشرذم و ما فتئ النبي يزجر و يغلظ القول لمن يظهر لهجة التعالي على إخوته أو يتباهى بنسبه و لونه فكان موقفه من أبي ذر_ حين قال لبلال يا ابن السوداء_ بائنا و لجمه إياه واضحا (إنك امرؤ فيك جاهلية٫ أتعيره بنسنه؟).
لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تجسيد المساواة بين أصحابه بيضهم و سودهم و حرفييهم و ظل أصحابه يقتفون أثره و يسلكون سبيله.
لقد أرسل عمرو بن العاص وفده إلى المقوقس و كان على رأسه عبادة بن الصامت فلما دخلوا على المقوقس تقدمهم عبادة بن الصامت فهابه المقوقس لسواده وقال لهم: نحّوا عني هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني، فقال رجال الوفد: "إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلما وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا، وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه........
و كان عمرو بن العاص قد طلب مددًا من الخليفة عمر بن الخطاب لإتمام فتح مصر فأرسل إليه أربعة آلاف رجل، على رأس كل منهم قائد حكيم، وصفهم الخليفة قائلاً: "إني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف رجل منهم رجلٌ بألف رجل"، وعلى رأسهم عبادة بن الصامت.
هذا نموذج من سود الصحابة.
أما أصحاب الحرف في دولة النبي صلى الله عليه و سلم لم يغمطوا و لم يقصوا بل تصدروا قائمة العلماء و الدعاة و المعلمين و مربي النفوس ٫فخباب بن الأرت هو معلم فاطمة بنت الخطاب و زوجها و قد كان يدرسهم القرآن حين دخل عليهم عمر بن الخطاب غضبان بعد علمه باسلامهم .
إننا بحاجة اليوم و قد سادت مجتمعاتنا خطاباب الكراهية و تنامى متبنو العنصرية أن نعود إلى ديننا الحنيف فننهل من معينه و ننعم بتحكيمه٫ ففيه من العدل ما يغني عن الظلم٫ و من المساواة ما يقضي على الغبن٫ و فيه من الرحمة و المودة ما يبدد ظلماء الكراهية.
فقوموا الخلل بالصدق و لموا الشمل بالمحبة و ذروا الأحقاد فهي لعمري لا تجبر كسرا و لا تقيم اعوجاجا و لا تبلسم جرحا. بل تبنوا منهج القدوة بالكلمة الطيبة و ردء السيئة بالحسنة فهو أجدى و أنفع و أصلح {و لا تستوي الحسنة و لا السيئة}.
مشاركة هذا المحتوى: