ذكر الله من شأن يعقوب عليه السلام ، أنه ظاهر بين الأسباب والتوكل ، فعمل ما في وسعه من الأسباب ،ثم توكل على من سبب الأسباب ، ورتب عليها مسبباتها ،
فقال عنه في اتخاذ الأسباب :
{{ قال لن أرسله معكم حتى تؤتوني موثقا من الله لتأتنني به إلا أن يحاط بكم }}
{{ يابني لا تذخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة }}
{{ يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تايئسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون }}
وقال تعالى في توكله صلوات الله وسلامه عليه وعلى أنبياء الله جميعا ؛
{{ فالله خير حفظا وهو أرحم الراحمين }}
{{ وما أغني عنكم من الله من شي ء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون }}
{{ عسى الله أن يأتيني بهم جميعا إنه هو العليم الحكيم }}
وقال لهم حين أرادوا أن يقطعوا الأمل بعد أن انقطع السبب
{{ إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون }}
وقد بالغ النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة _ وهي حدث مصيري له صلى الله وسلم _في الأسباب ، فاستخفى حين الخروج ، وخالف الطريق ، وآوى إلى الكهف ، واختار قبل ذلك الرفيق ، واستعمل الدليل ، وجهز المؤونة ، وكلف فريقا من علي وأسماء وعامر وعبد الله رضي الله عنهم ، بأدوار متعددة ، كلها غاية في إتقان التخطيط ، وإحسان الاستشراف ،
ثم توكل على الله عز وجل أعظم التوكل ، وامتلأ قلبه بالطمأنينة والثقة ، وكانت الأسباب تتهاوى كلها ، حتى يقف المشركون على باب الغار ،
ويقلق الرفيق الصديق ، فيقول يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
والله لو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرنا ، فيقول سيد المتوكلين صلى الله عليه وسلم ؛
(( ياأبكر لا تحزن إن معنا )) (( يا أبكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما )) ثم جاءت قدرة الله تعالى حين انتهى دور ماقدروا عليه {{ فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز _ تغني عزته وقدرته عن الاسباب _ حكيم _ فأمره بها عن حكمة لا عن عجز }}
وذكر تعالى عن موسى ، أنه بذل الأسباب ، فسرى بقومه بقطع من اليل ، مستخفيا من فرعون وجنده ، ثم لما ضعفت الأسباب وحاصرهم فرعون من خلفهم ، والبحر من أمامهم ، وقال له قومه {{ إنا لمدركون }} نظرا منهم إلى انتهاء الأسباب الظاهرة ، كان موسى متكلا على ربه ، عالما بأن الأسباب تقضي على المخلوقين ، ويقضي عليها خالقها ، فزجرهم بقوله ؛
{{ كلا إن معي ربي سيهدين }} وكان موسى واثقا بعهد الله تعالى ، غير ناس ولا غافل ، حين قال له ولأخيه هارون
{{ قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى }}
والظاهر أنه لا يعلم حين خاطبهم ، من أين سيأتي الفرج ، لأنه قال سيهدين ، إلا أنه يعلم أن الله غالب على أمره ، وبالغ أمره ، لا يفوت فائت ، ولا يسبقه سابق ،
فعلى جهلة المتدينين ، أن يعلموا أنهم ليسوا أعلم بربهم من أنبيائه ، وأن الله خلق الأسباب وجعلها مناط تكليف ، وله في ذلك الحكمة البالغة ،
وعلى فجرة الماديين ، أن يعلموا أن للأسباب ربا ، يعطل ويفعل، ويبارك ويخذل ، وهاهم يرون أئمتهم تتهاوى أسبابهم ، وتخذلهم قوتهم ،فلا تغني عنهم من الله شيئا ،
فاعملوا بالأسباب عباد الله ، ولا تدخروا منها شيئا أعطاه الله لكم ،ثم توكلوا على خالق الأسباب ورب الأرباب ، حتى لا تخونكم أسبابكم ، وما عجزتم عنه من الأسباب ، فاستغنوا عنه بقدرة القادر ، من لا يعجزه شي ء ، ومن أحاط بكل شيء جل وعلا ،
{{ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط بها وكان الله على شيء قديرا }}
هدانا الله جميعا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم