في بداية العقد قبل الماضي أي بعامين أو ثلاثة مع الألفين سطعت شمس صحوة شبابية مباركة كانت ثانوية لعيون العريقة منطلقها و مصدر إشعاعها ٫ و كان رعيل من تلاميذتها حاملا لواء تلك الدعوة و كنا حينها نصلي معظم صلواتنا في الجامع العتيق الذي يؤمه شيخي محمد ولد سيدي محمد"طالبن" مد الله في عمره .
كنا كشباب نحمل مشروعا دعويا غريباً على قرنائنا و نتبنى طرحا ربما لا يتقبله كثير ممن سبقونا و من عاصرنا.
كانت جماعة الدعوة و التبليغ قد بدأت أنشطتها في المدينة و لم يكن الترحيب بها بالمستوى المطلوب بل شهدت مناهضة و دعوة تشويهية مضادة جعلت كثيرا من الشباب يعزفون عنها خشية من الأهل و سلطة المجتمع.
لم يكن هناك من مصادر علمية سوى الكتب التقليدية المعهودة و هي مقدسة بكل ما فيها سواء وافق صحيح السنة أو خالفه .
في تلك اللحظة بالذات بزغ نور ذلك الشيخ الوقور الذي كان يعتلي منبر المسجد الجامع محاضرا و موجها و واعظا و بطريقة مختلفة عن السائد إنه شيخ في العمر لكنه شاب في الطرح و التصور و نصاعة الفكر .
إنه العالم المحدث سيدي محمد ولد حمادي"اند"
حين يتحدث رحمه الله لكأنه من أبناء بخارى الذين عاصروا البخاري و حضروا مجالسه٫ يحاور بأدب و يقدم الدليل و يفحم كل من يحاجج٫ لا يفتي إلا بفتوى مؤصلة بكتاب الله أو بسنة رسوله٫ لقد كان رحمه الله أحد الركائز التي كنا نحتاجها في التوجيه و الارشاد و الحض على السنة و التمسك بها و العض عليها بالنواجد٫ كان سندا لكل الدعاة منافحا عنهم و مؤصلا لمنهجهم لا يخاف في الله لومة لائم٫
كان يحيرنا نضجه و تقدمه على أترابه المكبلين بقيود التقيدية و موروث الأجداد ٫ أما هو فلم يكن يهمه إلا ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ٫بذلك يؤمن و عليه يربي فكان مشكاة تنير للأعمى سبيل الرشاد.
و ها أنا اليوم يصلني نعيه و إن بين جنبي منه ألما يتنزى و بين أناملي يراعا يجمح عن الكتابة و على لساني كلمات أكثر و أكثر مما قلت لكن الغم حبسها فتخافتت فلا أجد من مواس غير بيتي الشريف الرضى
ما أَسرَعَ الأَيّامَ في طَيَّنا تَمضي عَلينا ثُمَّ تَمضي بِنا
في كل يَومٍ أَمَل قَد نَأى مَرامُهُ عَن أَجَلٍ قَد دَنا
رحم الله شيخنا "أند" و أدخله فسيح جناته ٫ فقد كان ألم فقده مخيما و رحيله فاجعة عظيمه و ركنا ركينا تهدم
و ما كان قيس هلكه هلك واحد لكنه بنيان قوم تهدما