كانت المرأة البيظانية عنصرا فاعلا في الموروث الحساني، ولم يقتصر دورها على كونها ملهمة للشعراء، بل كانت هي أيضا شاعرة، وقد خلد لنا التاريخ نساء شاعرات من أمثال لاله فاطمه منت ادميس، وابنة عمها منت احميده، ووالدة ديدة ول هنون لعبيدي، واشويب منت انگذي، والبوصادية، وموگف العزة منت هدار ..الخ
ومعلوم أن لغن الحساني مر بمحطات ثلاث حسب تفسير ولد احظان، وفي محطة متأخرة عن تلك المحطات ظهر جنس أدبي مفعم بالأحاسيس، وبرقة التعبير، محاطا بقدر من السرية، له جناحان لم يتساويا في الطول، لكي يظل أسيرا للنساء وربات الخدور، وكأن سامري الإبداع قد قبض قبضة من أثري الشعراء المغنيين وقد سولت له نفسه -بعد أن سمي بالتبراع -أن يجعله فنا فكان..
ولكي نفهمه ونبين الحاجة التي دعت إليه لابد من الوقوف عند محطات ثلاثة :
أ-المحطة الأولى :المرأة البيظانية :وهي كتلة من المشاعر قدر لها أن تكون في جو يسوده الوفاء والعفة، وقدر لها أن تكون مقصورة في تلك الخيام عن التعليم والبوح، وقاصرة عن بلوغ مرادها..
ب- المحطة الثانية: المجتمع البيظاني: وهو مجتمع متدين بفطرته، منغلق على نفسه، رجولي بطبعه، شكلت السحوة والحياء مرتكزه ، وقوامه الذي يضبض عملية البوح وعامل الشعور فيه فكانا بمثابة ركيزتين تتعانقان في سمائه.
ج- المحطة الثالثة: البيئة: وهي عبارة عن وهاد وسهول، وجبال، وخيام، وترحال، وماشية:إبل وأغنام ، بروق، ورعود، وسيول، أرض فسيحة، وكل هذا يبعث في النفس الشوق والحنين، ويحرك المشاعر الدفينة، ويظهر الأحاسيس المرهفة ..
وفي هذا الجو الرومانسي ظهر مايسمى بالتبراع بعد أن دعت إليه الحاجة وهوعبارة عن تافلويتين إحداهما من حثو اجراد والأخرى من لبتيت التام وقد جعل هذا النمط من الشعر حكرا على النساء.
وكان -أي التبراع-حينها هو المتنفس الوحيد الذي من خلاله يعبر النسوة عن مشاعرهن، والمتنفس الوحيد عن وجدانهن وأحاسيسهن، ويستودعن فيه أسرارهن، وقد لعل مكمن السر الحكيم فيه ، وتجليات الحكمة والجمال فيه مايطبعه من السرية لقائله والجهل للموجه إليه ، هكذا أراد له سامري الإبداع أن يكون.
لكن بعد تعاقب الأجيال، وتغير البيئة، وانفتاح المجتمع، وحصول المرأة على الحرية، كان لزاما علينا أن نقول إن هذا التبراع رغم كونه موروثا أدبيا خالدا، لم تعد تدعو إليه الحاجة، ولم يعد هو كما كان، ولنقرأ على روحه :{{لَنحرِّقنهُ ثمَ لَننسِفَنهُ فِي اليمِ نسفًا..!!}}.
بقلم:
الداه / شيخاتي