بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على صفوة المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان الى يوم الدين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يسرني ويسعدني الجلوس معكم على مائدة الأدب، عبر كرسي فحول الشعراء المعاصرين ،وهي فرصة للشد على عضدكم في هذا المسار الإبداعي النقدي المميز الذي كانت الساحة الأدبية والفكرية والثقافية الوطنية بحاجة ماسة اليه ..
واليوم تفتحون صفحة مشرقة من صفحات هذا السجل الخالد، بتخصيص هذه الحلقة للشاعر المبدع والكاتب المتألق والمفكر اللامع متنبي موريتانيا الدكتور ناجي محمد الإمام، ألبسه الله ثوب الصحة والعافية وأطال بقاءه ... وحين عهدتم إلي تشريفا بتقديم ورقة عن تجربته الشعرية وجم القلم حائرا من أين تكون البداية، فأنا أمام شاعر سكب روحه في شعره، وترجم أحاسيسه وخلجات وجدانه بصدق واقتدار... تماهى عنده الشعر والشاعر، وامتزج فيه القول بالقائل حتى كأنهما المرادان بقول الحسن بن هانئ:
رقّ الزجاج ورقت الخمر فتشابها وتشاكه الأمر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدح ولا خمر
شاعر وعبقري بلغ من التصالح مع ذاته حدا تآلفت عنده المختلفات متناسقة، واجتمعت فيه المتناقضات متسقة، واختط لشعره من بين التقليد والتجديد طريقا يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى، فكان ظاهرة فريدة في مسيرة الشعر العربي المعاصر، تستحق أن تنال منابها من النقد والقراءة، لا يحجبها عن ذلك إلا خفوت الأضواء الإعلامية عن مبدعي المنكب البرزخي ،الذين عرجوا مئذنة البوح ليصدحوا مع الإمام ابن حزم رحمه الله:
أنا الشمس في جو "القريض" منيرة ولكن عيبي أن مطلعي العرب
إن من دبج خمسة دواوين مفعمة بالألق الشعري الزاهي ليس من الوارد معالجة تجربته الشعرية الثرة في سطور معدودة عابرة.. إنما هي مقاربة ترنو الى كشف الحجب عن جانب من هذه التجربة وسمتْه بهذا العنوان: "ناجي .. شاعر الذات والمفارقات "
نحن أمام شخصية يصدق في وصف صاحبها أنه عبقري من أمراء الحرف العربي مثقف موسوعي ومفكر سياسي، محافظ كادح ثائر، وطني قومي، عروبي فرنكفوني صوفي كاتب روائي وشاعر مبدع حداثي كلاسيكي رومانتيكي ... نفى ببيانه الساحر التناقض الصارخ عن مقامات وصفات تبدو متباينة ،تجلت فيها أو أشرقت عنها نفس شاعر شفافة لا تعرف العتمة إليها سبيلا، صفات تبدو متباينة، لكنّه تحلى بها جميعا في آن واحد ، فهو مثلا المفكر الملتزم السابح في عالم المثاليات، المتشبث بموقع القدوة المهيب، وهو وفي الحين ذاته المتغزل العاشق الهائم خلف مراض العيون المستهام بالنهود والخدود المستمرئ للعبة الوصال والصدود....
ولعلنا بالتمثيل حسرنا اللثام عن المرام الذي نحاول العبور إليه من خلال خمس عتبات :
المفكر الغزل
الحداثي الأصيل
الفرنكفوني العربي
البديعي المتحرر
الثائر المحافظ