تدوينات مختارة...
كتب المدون: خالد ولد الفاظل
الإزاحة!
كلما أقبل الصيف وأدبر الشتاء تشكوا مدن الدواخل من العطش وانقطاع الكهرباء، إضافة للهجرات التي تعيشها هذه المدن منذ عقود. بحيث أن معظم سكانها الأصليين باتوا يكتفون بالحب عن بعد أو اجترار الذكريات في أيام قلائل من فصل الخريف أو موسم جني التمور(الگيطنة) لإعادة التواصل الحسي مع مواطنهم القديمة..
عادة ارتباط الإنسان بالأماكن ضارب في الوجدان. بحيث أن كثيبا رمليا مقفرا أو هضبة صخرية صماء قد تسفك مخيلة شاعر فيفرز قصيدة طويلة من تذكار الدمن. أكاد أجزم بأن الأوطان الحقيقة الآن؛ هي جودة الخدمات ولا شيئ آخر. أما الجسور الروحية الأخرى فستظل منتصبة في الثقافة واللغة والهوية والتراث ولا خوف عليها ولا أظن أن إزاحة المدن ستؤذيها مطلقا. فقبل 200 سنة من الآن لم تكن في بلادنا الشاسعة سوى حواضر قليلة يمكن عدها على رؤوس الأصابع..
لولا الهجرات لما حصلنا على هذه الفسيفساء الجميلة والمتنوعة من الأعراق والسحنات والثقافات في بلادنا المترامية الأطراف والجذور. وعليه وبما أنه لدينا تقريبا 754 كلم من الشواطئ اقترح على المدى البعيد إزاحة المدن التالية نحو الشواطئ:
النعمة تكون بين روصو وتگنت
لعيون تكون بين تگنت ونواكشوط
كيفه تكون بين نواكشوط وامحيجرات
ألاگ تكون بين امحيجرات وانوامغار
تجگجه تكون بين انوامغار والشامي
أگجوجت تكون بين الشامي وواد الشبكة
أطار تكون بين واد الشبكة وبلنوار
ازويرات تكون بين بلنوار ونواذيبو
على أن تزاح الطريق السيار لتكون أقرب للشاطئ. أما سيلبابي وكيهيدي وروصو فتترك في أماكنها لأنها مدن مطلة على النهر السنغالي وتوجد بمناطق رطبة.
على أن يتم التعاون مع مهندسين وفنيين مهرة يقومون بمحاكاة عمرانية وجغرافية لأرواح المدن المزاحة. فمثلا يتم بناء هضبة اصطناعية مطابقة لجبل أنگادي ومرتفعا يشبه البهگة وبطحاء وحيا عتيقا بنفس حجارة وممرات حي أيديلبة بمدينة النعمة، وهكذا يفعل مع بقية المدن الأخرى. على أن تترك المدن المزاحة؛ محميات ثقافية وبيئية يقطنها بعض السكان الممارسين لأنشطة منتجة ومرتبطة ببيئتها، ومزارا للسياح والباحثين والسنمائيين وسكان المدن الشاطئية الكبري بغية التواصل الثقافي مع تراث أسلافهم..
طبعا بعد بناء تلك المدن الشاطئية، لا يكون النزوح إليها إجباريا لأنه سيحدث بشكل تلقائي! واكتظاظ نواكشوط خير دليل على ذلك. فالحرارة تستنفد الكثير من الطاقة والجهود التنموية والبحر نعمة. عندما تشاهدون خريطة مصر مثلا؛ ستلاحظون بأن المدن تتكاثر غالبا عند ضفتي النيل والمتوسط والبحر الأحمر. طبعا ربما يقول البعض بأن مدينة بحجم لاس فيغاس مشيدة في صحراء قاحلة وجافة! لكنها تستهلك الكثير من الطاقة والإغراء وعوائد القمار جعل الناس تقطنها..
طبعا هذه الاقتراح ربما يستفز البعض ويغضبه وهو في نواكشوط يتمتع بنسائم المحيط بعيدا عن ارتفاع الحرارة والمحن التنموية في دواخل البلاد، وبعضهم بات يقضي راحته السنوية في لاس بلماس بدل الداوخل المشمسة والمنهكة الخدمات. أما الموجودون بمدن الدواخل فأقدر كثيرا تشبثهم ومحبتهم وتضحيتهم لمواصلة الحياة هنالك بصبر. لكن منذ عقود؛ كان الكثيرون في نفس وضعيتهم العاطفية ثم نزحوا في نهاية المطاف، ولولا هجرات قام بها سكان البوادي والأرياف إليها لقل سكانها أكثر. كما أن العقود القادمة ربما تثبت صحة المقترح..
الخلاصة من كل هذا؛ أن التنمية أسهل في الأماكن ذات الطقس البارد والمطلة على البحر. كما أن التقارب بين المدن سيسهل الكثير من الأمور التنموية والخدمية في البلاد. وفي النهاية؛ لا شيء سيضيع؛ فمجسم الخريطة سيبقى كما هو. مع أنه إن لم تولد إرادة جادة للتنمية والعمران في العقود القادمة ربما يصبح المجسم فارغا أو موطنا لوافدين جدد من خارج الحدود..
هنا سينكيم. والنسيم عليل والأجواء لطيفة كرائحة البحر التي يمكن شمها بيسر من هنا..
الساعة 00:00 وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.