منذُ دخلت في الفيسبوك لم أتشاجر مع أحد، سكنتُ العاصمة منذُ 14 عاما ولم أتشاجر أيضا مع أحد، مررت من الأزقة المظلمة في سكوجيم (PS) الثانية فجرا ولم أتشاجر مع أحد. ركبت التاكسي آلاف المرات ولم أتشاجر مع أحد. سافرت كثيرا ولم أتشاجر مع أحد...
قضيت ستة أعوام وشهرين مدرسا ولم أتشاجر مع أي مدير أو أي زميل في الإدارة أو السكن المشترك. لم أشتم أي تلميذ مطلقا، ولم يثر علي التلاميذ يوما يطالبون بإقالتي كما يفعلون أحيانا مع بعض المدرسين، أو يشتكونهم للإدارة نتيجة معاملة فردية أو مشاكل في استيعاب الدروس وفهمها. مرة واحدة قلت لهم "ينسخكم" كانت الشتيمة الوحيدة طيلة مسيرتي بذلك العالم المليئ بالروتين الذي يحرقُ الأعصاب ويعلمُ الغضب.
مرة في البنك حاول قاطع طريق أن يغضبني بالكلام النابي حتى أتشاجر معه ويسرقني عندما يرتفع الضجيج وكان يراقبني ويترصدني عند المخرج. فشل في استفزازي وفشلت خطته..
مرة دخل علي مجنون مفتول العضلات في الظهيرة هارب من القيود، كنت داخل عريش في البادية بمفردي، وفجأة خاطبني قائلا -مشيرا إلى صندوق صغير موجود بجواري- أو ليست هذه سيارتنا التي نذهب بها إلى مورد الماء. حدقت فيه مليا وعرفت أنه مجنون، لكنه سرعان ما غادر إلى وجهة أخرى لما وجد برودة أعصابي لا تحفز على المزيد من الجنون..
مرة كنتُ في سفر شاق على طريق غير معبدة في ليلة صيفية تقل فيها السيارات العابرة من الطريق، كنا ثلاثة فقط، أنا والسائق وراكب آخر. فجأة تكسر النابض الذي يرفع السيارة عن العجلة الأمامية وأصبحت حركة السيارة شبه مستحيلة في تلك الليلة المعتمة. بسبب الظروف غير الرومانسية تشاجر السائق والراكب الآخر عندما حمله الأخير مسؤولية الحظ العاثر الذي أصابنا نتيجه كثرة توقفه في محطات الطريق. لاحظت في تلك الليلة كيف ينمو الغضب ليحول الأيادي إلى أسلحة. كلما قال أحدهم كلمة يقول الآخر كلما أشدة منها حدة، فيتصاعد الغضب ثم يكبر حتى يتحول إلى عاصفة هوجاء. وقفت بينهما محاولا إعادتها إلى الوضع الصامت. ليقيني أنهما لن يعودا لرشدهما قبل التوقف عن الكلام المتشنج..
في مخيمنا، كان هناك رجل منا سريع الغضب. وذات يوم أدخلوا رجلا من المخيم معروف بالقوة داخل البئر الناضبة حتى يعيد الماء إليها. اشترك الرجلان بعض الكلام المتباعد والذي تطور إلا تلاسن شديد الحدة، لم يستطع الرجل عند فم البئر السيطرة على أعصابه، فقرر أن يقفز داخل البئر ليشفي غليله وهو يعرف أنها معركة خاسرة. أعاده الرجل مقيدا بالحبال إلى السطح بعد عراك خفيف دار في قعر البئر.
مرة دخل علي الوالي في القسم وسألني عن أحوال التعليم، أجبته "تعبان"، أعاد السؤال مرة أخرى ليسمع إجابة أخرى، فقلت له "تعبان". قل كلمتك بوضوح وثبات ولا تغضب..
أعرف أنكم لست ملائكة وهناك أشياء مستفزة لا يمكن السكوت عليها، مثل الكذب والاحتقار والظلم. والظلم من الأشياء التي تكون فيها برودة الأعصاب جريمة واستنعاجا لا يغتفر. لكن إذا قررتم أن تدخلوا في شجار ما، أو حوار لمجابهة فكرة ما، أو شتيمة ما، حاولوا ما أستطعتم أن لا تغضبوا، لأن الغضب ببساطة سيجعلكم تفقدون زمام المبادرة وتخسرون المعركة، حتى ولو كانت حجتكم قوية وعضلاتكم مفتولة. لطالما تشرد أطفال وتفككت أسر، ونشبت حروب دموية بسبب كلمة أشعلت الغضب. تذكروا دائما وصية الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب)) وتذكروا أيضا دعاءه: (( اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا ))
هنا صكوك. والناموس يعضني دونما رحمة، ماذا لو غضبت على الناموس وشتمته ثم أخذت أضربه، سيقول لي ببساطة: " الخبطة فيك والعظة فيك"، الحل الوحيد أن أبني القبة حتى أنام بكل هدوء. أعتقد أنني أستحق جائزة نوبل للسلام...
الساعة منتصف الليل و 47 دقيقة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.