تحليل المأمول و السياقات السياسية و محاولات توظيفها غالبا ما يحجب النقاش الرصين للمؤسسات الدستورية، فيضيع التفكير الحصيف في سيل التأويل البعيد و غير المؤسس.
أقر مبدئيا أنني لست متخصصا في المجال الدستوري و بضاعتي فيه مزجاة، و لذلك سأعتصم بالنص و الأصل فهما العاصم من الوقوع في شطط التحليل الذي تجود به العاطفة الجياشة.
و أعتقد أن هناك ثلاث احتمالات للسعي لتشكيل محكمة العدل السامية سأبينها على النحو التالي:
1- محكمة العدل ضرورة دستورية
نصت المادة: 92 من الدستور الموريتاني على مؤسسة دستورية تسمى محكمة العدل السامية، و لأن الدستور يقف عند تحديد شكل المؤسسات فحسب، فقد أردف المشرع الموريتاني القانون النظامي رقم: 021/ 2008 المحدد للإجراءات المتبعة أمام هذه المحكمة.
و على ذلك قد يكون تشكيل هذه المحكمة مجرد ملء لفراغ تشريعي ظل مطلبا للمعارضة الموريتانية يشعر رئيس الجمهورية أيا كان بإمكانية المساءلة و المحاسبة.
2_ تشكيل المحكمة لمحاكمة الرئيس السابق.
هذا الاحتمال لا يستند لأساس قانوني، لأن المادة: 92 نصت على أن اختصاص هذه المحكمة محصور في محاكمة الرئيس الذي مازال يمارس مهامه رئيسا للجمهورية، و لذلك ينبغي أن يعاد الرئيس السابق إلى ممارسة السلطة و لو ليوم واحد لينطبق عليه الوصف القانوني! لكن بالإمكان محاكمته أمام القضاء العادي.
يضاف إلى المانع الثاني أن المحاكم تشكل قبل معرفة المتهم بالقياس على التنظيم القضائي و لا ينبغي تشكيلها لمحاكمة شخص معلوم قبل تشكيلها فتلك تحكمية قضائية، فالأصل أن تشكيلة المحكمة مشكلة قبل إحالة المتهمين إليها.
و قد قاد إلى هذا التحليل إثبات صراع " البراء و الولاء" بالمفهوم الأصولي بين الرئيس الحالي و الرئيس المنصرف.
القطيعة مع الممارسة السياسية للرئيس السابق تتجسد في القطيعة مع الفساد و الزبونية و المحسوبية و الشروع في التسيير الجيد للمؤسسات العمومية، و هي قيم حكامة رشيدة لا تبدو في الأفق، فقد قضى تدوير المفسدين و تبديد الأموال العمومية على جرعات أملها على حد تعبير باراك أوباما في كتابه "جرعة الأمل".
3- محاكمة الرئيس الحالي
بنفس منطق المأمول في صراع " الولاء و البراء" يمكن القول إن محكمة العدل السامية قد يكون تشكيلها الآن الفتاف على الرئيس الحالي لمحاكمته على تهم لم تظهر بعد أو لم يكشف عنها، فهو وحده من يدخل ضمن اختصاصها!